فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَوَابِهِ أُسَامَةَ لَمَّا قَالَ لَهُ انْزِلْ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي إسْلاَمِ جَرِيرٍ مَتَى كَانَ فِي سِوَى مَا رَوَيْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ

حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَسْلَمْت قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ إبْرَاهِيمُ مَا أَسْلَمَ جَرِيرٌ إِلاَّ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً‏.‏

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إسْلاَمَ جَرِيرٍ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِينَ إمَّا يَوْمًا وَإِمَّا لَيْلَةً وَهَذَا عِنْدَنَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَمْ نَجِدْهُ يَدُورُ إِلاَّ عَلَى مُوسَى بْنِ دَاوُد خَاصَّةً فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ مَا يُخَالِفُهُ‏؟‏ أَمْ لاَ‏.‏

فَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد‏,‏ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ‏:‏ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ‏.‏

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ إسْلاَمَهُ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِينَ وَبِأَرْبَعِينَ وَبِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لأَنَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَمَضَى بَعْدَهُ الْمُحَرَّمُ وَصَفَرُ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ وَجَرِيرٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُسْلِمٌ‏.‏

وَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ فَانْطَلَقْت فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْت لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَصَابِعَهُ فِي صَدْرِي‏,‏ وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا جِئْتُك حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ‏,‏ قَالَ فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ‏.‏

فَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَا دَفْعُ ذَلِكَ أَيْضًا وَوُجُوبُ قِدَمِ إسْلاَمِ جَرِيرٍ‏.‏

وَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ ثنا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ بَعَثَ إلَيَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه ابْنَ عَبَّاسٍ وَالأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ فَأَتَيَانِي‏,‏ وَأَنَا بِقَرْقِيسِيَةَ فَقَالاَ إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَيُخْبِرُكَ أَنَّهُ نِعْمَ مَا أَرَاك اللَّهُ مِنْ مُفَارَقَتِكَ فَأْتِنِي أُنْزِلْكَ مَنْزِلَةَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي أَنْزَلَكَهَا‏,‏ فَقَالَ لَهُمَا جَرِيرٌ إنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إلَى الْيَمَنِ لِأُقَاتِلَهُمْ وَأَدْعُوَهُمْ فَإِذَا قَالُوا‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ حُرِّمَتْ عَلَيَّ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ فَلاَ أُقَاتِلُ رَجُلاً يَقُولُ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا عَلَى ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا يُوجِبُ قِدَمَ إسْلاَمِ جَرِيرٍ وَسَعَةَ مُدَّةِ إسْلاَمِهِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَتَجَاوَزُ الأَرْبَعِينَ الْمَذْكُورَةَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهَ تَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ هَلْ هِيَ آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ أَمْ لاَ‏؟‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ لِي‏:‏ يَا جُبَيْرُ هَلْ تَقْرَأُ الْمَائِدَةَ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ نَعَمْ فَقَالَتْ‏:‏ أَمَا إنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلاَلٍ فَاسْتَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ الْمَائِدَةَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ خِلاَفُ ذَلِكَ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً سُورَةُ بَرَاءَةٌ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا مَا رُوِيَ، عَنْ عَائِشَةَ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ مِنْ هَذَا الاِخْتِلاَفِ فِي آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ مَا هِيَ فَكَانَ مَا رَوَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَشْبَهَ عِنْدَنَا‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ لأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَلِيًّا رضي الله عنه بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ فِي الْحَجَّة الَّتِي حَجَّهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِالنَّاسِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ حَتَّى خَتَمَهَا وَسَيَجِيءُ مِمَّا رُوِيَ فِي ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَكَانَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ قَدْ أُنْزِلَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي ذَلِكَ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ يَهُودِيٌّ لِعُمَرَ رضي الله عنه لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآيَةَ لاَتَّخَذْنَاهُ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إنِّي لاََعْلَمُ أَوَّلَ يَوْمٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ جُمُعَةٍ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُودِ قَالُوا لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ أَيُّ آيَةٍ‏؟‏ قَالُوا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إنِّي لاََعْلَمُ أَيَّ مَكَان نَزَلَتْ‏,‏ نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْبَزَّارِ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَائِمٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمَّارٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَيْنَا لاَتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا قَالَ فَإِنَّهَا أُنْزِلْت فِي عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ جُمُعَةٍ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ‏.‏

وَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالاَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

فَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَا مَا قَدْ حَقَّقَ أَنَّ نُزُولَ بَعْضِ الْمَائِدَةِ كَانَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَانْتَفَى مَا قَالَهُ الْبَرَاءُ فِيهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَوَابِهِ أُسَامَةَ لَمَّا قَالَ لَهُ انْزِلْ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ

حَدَّثَنَا يُونُسُ وَبَحْرٌ جَمِيعًا قَالاَ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ غَدًا بِمَكَّةَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ‏؟‏‏,‏ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ‏,‏ وَلَمْ يَرِثْ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِيٌّ رضي الله عنهما‏,‏ لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ‏,‏ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ فَوَجَدْنَاهُ مَوْصُولاً بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ لأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِيٌّ لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِ الزُّهْرِيِّ لأَنَّهُ كَانَ يَخْلِطُ كَلاَمَهُ كَثِيرًا بِحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْهُ‏.‏

وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ لَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ افْصِلْ كَلاَمَكَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّا قَدْ أَحَطْنَا عِلْمًا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً نَبِيتُ بِهِ ‏"‏ أَنَّ أَرْضَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي هَذَا عِنْدَنَا حُجَّةٌ‏;‏ لأَنَّ إضَافَةَ الدَّارِ مِنْ أُسَامَةَ إلَيْهِ وَإِضَافَتَهُ إيَّاهَا إلَى نَفْسِهِ قَدْ يَكُونُ لِسُكْنَاهُ إيَّاهَا لاَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا كَمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ إلَى الْعَنْكَبُوتِ لاَ أَنَّهَا تَمْلِكُهُ وَلَكِنْ لِسَكَنِهِ إيَّاهَا‏.‏

وَكَمَا حَكَى لَنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِ النَّمْلَةِ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ اُدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ عَلَى الإِضَافَةِ لاَ عَلَى التَّحْقِيقِ وَكَمَا يُقَالُ يَا رَبَّ الدَّارِ‏.‏

وَكَمَا يُقَالُ جُلُّ الدَّابَّةِ بِالإِضَافَةِ لاَ بِتَحْقِيقِ الْمِلْكِ فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَمَا أَضَافَهُ أُسَامَةُ إلَيْهِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ مَا ذَكَرْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ أَبِي طَالِبٍ لأَنَّ وَارِثَهُ غَيْرُهُ وَلاَ رَجَعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَنَّ عَبْدَ اللهِ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَلاَ تَغْتَرُّوا

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ‏,‏ قَالَ أَتَيْتُ عُثْمَانَ رضي الله عنه بِطَهُورٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَقَاعِدِ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَقَالَ‏:‏ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فِي مَجْلِسٍ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ‏,‏ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَغْتَرُّوا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حُمْرَانُ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَكَانَ مَا رَوَى شَيْبَانُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ أَشْبَهَ عِنْدَنَا مِمَّا رَوَاهُ الأَوْزَاعِيِّ عَلَيْهِ لأَنَّ الأَوْزَاعِيِّ ذَكَرَ فِي إسْنَادِهِ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ وَشَقِيقٌ لاَ نَعْلَمُهُ‏,‏ مِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَلاَ مِمَّنْ لَقِيَهُ وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَغْتَرُّوا‏:‏ فَذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ وَلاَ تَغْتَرُّوا فَتُذْنِبُوا ثُمَّ تَعْمَلُوا عَلَى أَنْ تَأْتُوا الْمَسْجِدَ فَتَرْكَعُوا فِيهِ رَكْعَتَيْنِ لِيَغْفِرَ لَكُمْ فَيَغْفِرَ لَكُمْ لأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْتُ الَّذِي يَقْطَعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ فِي الصَّدَقَةِ لاَ حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَنَسٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَالَ جَعْفَرٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالاَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاَ مِنْهَا فَرَفَعَ الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ قَوِيَّيْنِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ إنْ شِئْتُمَا فَعَلْت وَلاَ حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ‏,‏ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَحَدَّثَنَا بَكَّارَ‏,‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَهَمَّامٌ‏,‏ عَنْ هِشَامٍ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي إسْنَادِهِ فَوَجَدْنَا فِيهِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيٍّ لَمْ يُسَمِّهِمَا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَجِبُ قَبُولُ مَا رُوِيَا وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَكُونَا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَانَا مِنْ الأَعْرَابِ مِمَّنْ اعْتَرَضَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَكِنَّا تَأَمَّلْنَاهُ مَعَ ذَلِكَ لِنَقِف عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِجَوَابِهِ الَّذِي أَجَابَ بِهِ ذَيْنَك الرَّجُلَيْنِ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ ‏"‏ لاَ حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ‏"‏ يَعْنِي الصَّدَقَةَ أَيْ أَنِّي لاَ عِلْمَ لِي بِحَقِيقَةِ أُمُورِكُمَا مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَأَنْتُمَا بِذَلِكَ أَعْلَمُ مِنِّي فَاعْمَلاَ فِيهَا مَا يُوجِبُهُ مَا قَدْ سَمِعْتُمَاهُ مِنِّي فِيهَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ‏.‏

ثُمَّ تَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ ‏"‏ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ فَوَجَدْنَا الصَّدَقَةَ قَدْ تَحِلُّ لِلْفَقِيرِ الْقَوِيِّ‏,‏ وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَلاَ حَقَّ فِيهَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ يُرِيدُ صلى الله عليه وسلم الْحَقَّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْحُقُوقِ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بِهَا وَلَيْسَ هُوَ الْقُوَّةَ وَلاَ الْجَلَدَ الَّذِي يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْهَا كَمَا تُغَلِّظُ الْعَرَبُ الشَّيْءَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَتَقُولُ فُلاَنٌ عَالِمٌ حَقًّا إذَا كَانَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْعِلْمِ وَلاَ تَقُولُهُ لِمَنْ هُوَ فِي دُونِ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا‏,‏ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا قَالَهُ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا‏:‏ ابْعَثْ لَنَا رَجُلاً أَمِينًا‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاََبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجْلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ فَدَعَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أُسْقُفُ نَجْرَانَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ الْعَاقِبَ وَالسَّيِّدَ صَاحِبَيْ نَجْرَانَ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ أَنْ يُلاَعِنَهُمَا‏,‏ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لاَ تُلاَعِنْهُ‏,‏ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّاهُ لاَ نُفْلِحُ وَلاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا‏,‏ وَلَكِنْ نُعْطِيهِ مَا سَأَلَ قَالُوا‏:‏ نُعْطِيكَ مَا سَأَلْت فَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا وَلاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لاََبْعَثَنَّ مَعَكُمَا رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُهُ فَقَالَ قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الآُمَّةِ‏.‏

فَكَانَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِيهِ ‏"‏ حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ ‏"‏ إثْبَاتَهُ لأَبِي عُبَيْدَةَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَمَانَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ دُونَهُ فِيهَا وَلَيْسَ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ حَقَّ فِيهَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ هُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَعَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الاِسْتِحْقَاقِ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا‏,‏ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى قَبْرِ إحْدَى ابْنَتَيْهِ اللَّتَيْنِ كَانَ عُثْمَانُ تَزَوَّجَهُمَا لاَ يَدْخُلُ الْقَبْرَ أَحَدٌ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ مَاتَتْ إحْدَى بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَدْخُلُ الْقَبْرَ أَحَدٌ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ زَوْجُهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ هِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ تُوُفِّيَتْ وَكَانَتْ وَفَاتُهَا رضي الله عنها فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ‏.‏

وَتَأَمَّلْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَدْخُلُ الْقَبْرَ أَحَدٌ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدْنَا الْمُقَارَفَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْمُقَاوَلَةِ الْمَذْمُومَةِ ‏[‏وَقَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الإِصَابَةِ وَاسْتَحَالَ]‏ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الإِصَابَةَ‏,‏ لأَنَّ إصَابَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ وَكَانَ الَّذِينَ كَانَ إلَيْهِمْ نُزُولُ قَبْرِهَا وَإِدْخَالُهَا فِيهِ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهَا الْمَحْرَمَاتِ مِنْهَا وَلاَ نَعْلَمُ، كَانَ، مِنْهُمْ حِينَئِذٍ حَاضِرًا غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَنَّهُ أَبُوهَا وَغَيْرَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ‏,‏ وَغَيْرَ مَنْ كَانَ يَمَسُّهَا بِرَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَهُوَ أَخُوهَا لِأُمِّهَا هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ وَمَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ بِرَضَاعٍ فَكَانَ هَؤُلاَءِ أَوْلَى النَّاسِ بِإِدْخَالِهَا قَبْرَهَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ سِوَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مُقَارَفَةٌ لَمْ يَحْمَدْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَلَمْ يُحِبَّ بِذَلِكَ أَنْ يَتَوَلَّى مِنْ ابْنَتِهِ مَا يَتَوَلَّاهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَدْ كَانَ مِنْ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَجَعَلَهُ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَخْلاَقِ أَلَّا يُوَاجِهَ أَحَدًا بِشَيْءٍ كَانَ مِنْهُ مِمَّا قَدْ كَرِهَهُ مِنْهُ إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ تَعْرِيضًا بِهِ‏.‏

كَمِثْلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عِنْدَ قَوْلِ أَهْلِ بَرِيرَةَ فِي بَيْعِهِمْ عَائِشَةَ نَبِيعُكِهَا يَعْنُونَ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ بَيْعًا تَعْتِقُ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُهَا لَنَا أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ‏:‏ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ إنَّمَا الْوَلاَءُ لَمَنْ أَعْتَقَ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَسْمَعَهُمْ ذَلِكَ بِخِطَابِهِ النَّاسَ جَمِيعًا وَهُمْ فِيهِمْ بِهِ لِيَنْتَهُوا عَنْهُ‏.‏

وَمِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ قَدْ طَلَّقْتُكِ قَدْ رَاجَعْتُكِ‏.‏

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ بِذَلِكَ فَاعِلِيهِ وَفِي مَنْ خَاطَبَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمْ‏.‏

فَمِثْلُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنْزِلُ الْقَبْرَ مَنْ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ لأَنَّ فِيمَنْ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيهَا‏,‏ فَقَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ‏,‏ لِيَسْمَعَهُ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ فَلاَ يَدْخُلُ قَبْرَهَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي يَخْرُجُ عَلَيْهَا‏.‏

وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنْ قَوْلٍ الَّذِي رَوَاهُ فَلَمْ يَدْخُلْ زَوْجُهَا يَعْنِي قَبْرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ حَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَبْلَ وَفَاتِهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ هَذِهِ الْمُقَارَفَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ وَفَاتِهَا‏,‏ فَقَالُوا كَمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهَا‏,‏ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا قَبْرَهَا بَعْدَ وَفَاتِهَا فَأَمَّا نَحْنُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لاَ يُغَسِّلُهَا بَعْدَ وَفَاتِهَا لاِنْقِطَاعِ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي حَيَاتِهَا بِوَفَاتِهَا وَهُوَ عِنْدَنَا خَارِجٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُد قَالاَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ فَقَالَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ‏؟‏ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا قَالَ فَانْزِلْ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا حُكِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ يَبْعُدُ مِنْ الْقُلُوبِ لأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهَا الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الإِتْقَانِ وَلاَ مِنْ التَّثْبِيتِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا مَعَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ الأَوَّلَ وَهُوَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحْضُرْ قَبْرَهَا حِينَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهَا الْمَحْرَمَاتِ غَيْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحْتَاجَ إلَى مَعُونَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ مَا كَانَ لِمَعُونَتِهِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ كَمَا يَتَّسِعُ لِلرِّجَالِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِذَوِي مَحَارِمَ مِنْ النِّسَاءِ الْمَيِّتَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ ذَوُو أَرْحَامٍ مِنْهُنَّ أَنْ يَلْمَسُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ مَكَانَ الْغُسْلِ لَهُنَّ وَاَللَّهَ، سُبْحَانَهُ، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ كَانَ إلَيْهِ إدْخَالُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبُورِهِنَّ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَامِرٌ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ صَلَّيْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى زَيْنَبَ رضي الله عنها بِالْمَدِينَةِ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَأْمُرْنَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْقَبْرَ‏؟‏ قَالَ وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ قَالَ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ اُنْظُرْ مَنْ كَانَ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا فَلْيَكُنْ هُوَ الَّذِي يُدْخِلُهَا الْقَبْرَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه صَدَقْتُنَّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَدْ كَانَ أَعْجَبَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى إدْخَالَهَا قَبْرَهَا‏,‏ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لَهُ أُمًّا لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وَكَانَ لَهَا بِذَلِكَ ابْنًا أَعْجَبَهُ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِإِدْخَالِهَا قَبْرَهَا ثُمَّ اسْتَظْهَرَ فِي ذَلِكَ بِمَا عِنْدَ الْبَاقِيَاتِ بَعْدَهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ لأَنَّهُنَّ فِيهِ مِثْلُهَا وَلأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ الَّذِي بَيَّنَ بِهِ فِي ذَلِكَ تَبِينُ هِيَ فِيهِ‏,‏ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَقَعُ فِي مِثْلِهِ الإِشْكَالُ إنْ كَانَتْ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُمًّا وَكَانَ هُوَ لَهَا ابْنًا‏,‏ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِهَا‏,‏ وَأَنَّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ الْبُنُوَّةِ وَمِنْ أُمُومَةٍ فِي ذَلِكَ تُخَالِفُ الآُمُومَةَ وَالْبُنُوَّةَ فِي الأَنْسَابِ وَفِي الرَّضَاعِ فَرَجَعَ إلَى مَا عِنْدَهُنَّ فِي ذَلِكَ لِيَقِفَ عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَسْقُطُ عَلَيْهِنَّ كَيْفَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ الَّذِي قَدْ عَلِمْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْقَفَهُنَّ عَلَيْهِ فَأَعْلَمْنَهُ أَنَّ إدْخَالَهَا قَبْرَهَا هُوَ إلَى مَنْ كَانَ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا فَخَالَفَ ذَلِكَ مَا كَانَ الأَمْرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَانَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّ أُمُومَتَهُنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَبُنُوَّةَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُنَّ لَهَا حُكْمٌ خَاصٌّ خِلاَفُ حُكْمِ الْبُنُوَّةِ إلَى النَّسَبِ وَخِلاَفُ حُكْمِ الآُمُومَةِ مِنْ الرَّضَاعِ إذَا كَانَتْ الآُمُومَةُ مِنْ النَّسَبِ‏,‏ وَالآُمُومَةُ مِنْ الرَّضَاعِ تُبِيحَانِ النَّظَرَ مِنْ الأَوْلاَدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسَيْنِ إلَى مَنْ كَانَ بِهِ لَهُنَّ أُمًّا‏,‏ وَالآُمُومَةُ بِالنَّسَبِ الَّذِي بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ لاَ يُبِيحُهُنَّ ذَلِكَ‏,‏ وَالآُمُومَةُ مِنْ النَّسَبِ‏,‏ وَمِنْ الرَّضَاعِ يَمْنَعَانِ مِنْ نِكَاحِ مَنْ وَلَدَهُ أُولَئِكَ الآُمَّهَاتُ مِنْ الْبَنَاتِ وَلاَ يَمْنَعُ الآُمُومَةَ بِتَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَزَوَّجَهُ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ لأَنَّهُ جَائِزٌ لِلْمُؤْمِنِينَ تَزْوِيجُ مَا وَلَدْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْبَنَاتِ‏,‏ وَمَا وَلَدْنَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْهُنَّ فَكَانَتْ تِلْكَ الآُمُومَةُ لَهَا حُكْمٌ بَائِنٌ مِنْ حُكْمِ الآُمُومَتَيْنِ الآُخْرَيَيْنِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ اسْتَعْلَمَهُ عُمَرُ رضي الله عنه مِنْ أَهْلِهِ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَطْنَا عِلْمًا أَنَّهُنَّ لَمْ يَأْخُذْنَ حُكْمَ تِلْكَ الآُمُومَةِ إِلاَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَأَنَّهُنَّ لَمْ يَأْخُذْنَهُ مِنْ جِهَةِ الاِسْتِنْبَاطِ وَلاَ مِنْ جِهَةِ الاِسْتِخْرَاجِ لأَنَّ ذَلِكَ لاَ يُؤْخَذُ مِثْلُهُ مِنْ جِهَةِ الاِسْتِنْبَاطِ وَلاَ مِنْ جِهَةِ الاِسْتِخْرَاجِ‏,‏ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ‏,‏ وَالتَّوْقِيفُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَدْخَلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَالْتَمَسْنَا مِنْهُ مَا الْتَمَسْنَا مِنْ حَدِيثِهِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا‏.‏

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَامِرٍ فَخَالَفَ إسْمَاعِيلَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ الْمُتَوَفَّاةِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهَا أُمُّ حَبِيبَةَ‏,‏ مَكَانَ مَا ذَكَرَ إسْمَاعِيلُ فِيهِ أَنَّهَا زَيْنَبُ كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَتْ فَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَبَعَثَ إلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُدْخِلُهَا فِي قَبْرِهَا‏؟‏ فَقُلْنَ الَّذِي كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا عِنْدَنَا خَطَأٌ لأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بَقِيَتْ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ رضي الله عنه دَهْرًا طَوِيلاً‏.‏

ثُمَّ الْتَمَسْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَجَّاجِ بْنِ إبْرَاهِيمَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى فِرَاسٍ كَيْفَ هُوَ‏؟‏ فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا فِرَاسٌ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ صَلَّيْت مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ، كَانَ، لأَزْوَاجِهِ‏:‏ أَوَّلُكُنَّ بِي لُحُوقًا أَطْوَلُكُنَّ يَدَيْنِ‏,‏ وَأَنَّهُنَّ كُنَّ يَتَطَاوَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ وَتَقُولُ عَائِشَةُ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَكَانَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ امْرَأَةً قَصِيرَةً‏,‏ وَكَانَتْ تَصْنَعُ بِيَدَيْهَا مَا تُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَّمَهُنَّ بِذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدَيْنِ بِالْخَيْرِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ‏{‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏,‏ ‏{‏وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ‏}‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ‏,‏ فَاحْذَرُوهُمْ‏,‏ ثُمَّ نَزَعَ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ إلَى قوله تعالى ‏{‏إِلاَّ اللَّهُ‏,‏ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏}‏ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَعَمِلُوا بِمُحْكَمِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَمِعْتَ الَّذِينَ يَتَجَادَلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏,‏ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ فَأَدْخَلَ فِي إسْنَادِهِ بَيْنَ عَائِشَةَ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ ‏{‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ‏}‏ إلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الَّذِي تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاحْذَرُوهُمْ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ قَالَ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى ‏{‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ‏}‏ فَأَعْلَمَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مِنْ كِتَابِهِ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ بِالتَّأْوِيلِ وَهِيَ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَأْوِيلِهَا‏.‏

وَالْمَعْقُولُ الْمُرَادُ بِهَا‏,‏ وَأَنَّ مِنْهُ آيَاتٍ مُتَشَابِهَاتٍ يُلْتَمَسُ تَأْوِيلُهَا مِنْ الآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ اللَّاتِي هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَهِيَ الآيَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي تَأْوِيلِهَا ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}‏,‏ وَالزَّيْغُ الْجَوْرُ عَنْ الاِسْتِقَامَةِ وَعَنْ الْعَدْلِ وَتَرْكُ الإِنْصَافِ لأَهْلِهَا {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}‏.‏

يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي كَانَ مِنْ الآُمَمِ الْخَالِيَةِ فِيمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُمْ صلوات الله عليهم ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَهِيَ فَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ حَتَّى يَكُونَ عَنْهَا الْقَتْلُ‏,‏ وَمَا سِوَاهُ مِمَّا يَجْلُبُهُ مِنْ الْبَغْضَاءِ‏,‏ وَالشَّحْنَاءِ‏,‏ وَالتَّفَرُّقِ الَّذِي تَجْرِي مَعَهُ الآُمُورُ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِيهَا بِقَوْلِهِ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ خَرَجَ عَنْ الإِسْلاَمِ وَصَارَ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتَحَقَّ النَّارَ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْمَعَانِي زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْهَا كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ الْحُمْرَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ قَالَ قَدِمْت دِمَشْقَ فَأَتَيْت مَسْجِدَهَا فَوَجَدْت أَبَا أُمَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ وَقَعَدْت إلَيْهِ ثُمَّ نَهَضَ وَنَهَضْت مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا رُءُوسٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْقَنَاةِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَأْسًا فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا أَبُو أُمَامَةَ ثَمَّ وَقَفَ قَالَ يَا سُبْحَانَ اللهِ يَا سُبْحَانَ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ بِهَؤُلاَءِ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ثَلاَثًا وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلَهُ هَؤُلاَءِ وَبَكَى فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا أُمَامَةَ تَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ ثُمَّ تَبْكِي‏؟‏ فَقَالَ رَحْمَةً لَهُمْ إنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَخَرَجُوا مِنْهُ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ هُمْ هَؤُلاَءِ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ‏:‏ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ هُمْ هَؤُلاَءِ قَالَ قُلْت يَا أَبَا أُمَامَةَ هَذَا شَيْءٌ تُحَدِّثُ بِهِ مِنْ رَأْيِك أَوْ شَيْءٌ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ يَا سُبْحَانَ اللهِ يَا سُبْحَانَ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إنِّي إذًا لَجَرِيءٌ قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ ثُمَّ قَالَ مَنْ أَنْتُمْ‏؟‏ قَالَ قُلْت مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ أَمَا إنَّهُمْ عِنْدَكُمْ كَثِيرٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَدَلَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِعَجْزِ الْخَلْقِ عَنْ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ‏}‏ ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يَقُولُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ لِيَمْتَثِلُوهُ وَيَتَمَسَّكُوا وَيَقْتَدُوا بِهِمْ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا‏}‏ فَهَكَذَا يَكُونُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الْمُتَشَابِهِ مِنْ الْقُرْآنِ يَرُدُّونَهُ إلَى عَالِمِهِ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَلْتَمِسُونَ تَأْوِيلَهُ مِنْ الْمُحْكَمَاتِ اللَّاتِي هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدُوهُ فِيهَا عَلِمُوا بِهِ كَمَا يَعْمَلُونَ بِالْمُحْكَمَاتِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ فِيهَا لِتَقْصِيرِ عُلُومِهِمْ عَنْهُ لَمْ يَتَجَاوَزُوا فِي ذَلِكَ الإِيمَانَ بِهِ وَرَدَّ حَقِيقَتِهِ إلَى اللهِ تَعَالَى وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا فِي ذَلِكَ الظُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ حَرَامًا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ أَحْرَمَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي بَقِيَّةِ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ التَّوْفِيقُ‏.‏